fbpx
تحليل

المسار الملكي

بقلم: عادل الزعري الجابري

من واشنطن إلى مدريد، مرورا ببرلين، باريس وعواصم أخرى مؤثرة على الساحة الدولية، يكتسب حل الحكم الذاتي في الصحراء المغربية المزيد من الزخم، والدبلوماسية المغربية المزيد من الحضور والقيادة، مستندة إلى الرؤية الملكية المستنيرة والريادية.

إن الموقف المتخذ، الجمعة، من طرف مدريد بشأن قضية الصحراء المغربية ينبع من الحكمة الملكية التي تلهم دبلوماسيتنا الوطنية، والتي أضفت دينامية جديدة على علاقات المغرب الدولية، حيث تجسدت على الخصوص، من خلال عودة المملكة إلى الحضن الإفريقي، دورها الطلائعي في تسوية الأزمة الليبية، موقفها المعتدل أثناء الخلاف بين قطر وأشقائها الخليجيين، الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة-المغرب-إسرائيل، الامتناع عن المشاركة في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بشأن النزاع الروسي-الأوكراني، الذي حظي بالترحيب كقرار حكيم ومعتدل، إلى جانب مبادرات أخرى تستمد جوهرها من التزام المغرب وبحثه الدائم عن السلام والاستقرار في العالم.

وجاء الموقف الإسباني الجديد والتحسن في العلاقات الثنائية المستقبلية، التي حدد معالمها بلاغ الديوان الملكي، للتأكيد على أن المغرب يستثمر على المدى الطويل للبناء على أرضية صلبة.

وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد قال، في خطابه بتاريخ 20 غشت 2021 “إننا اشتغلنا مع الطرف الإسباني، بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية”.

وفي الوقت الذي كانت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تجتاز أزمة غير مسبوقة، مد جلالة الملك يده الكريمة إلى إسبانيا من أجل وضع أسس جوار سلمي ومزدهر.

فقد أكد جلالة الملك “تابعت شخصيا، وبشكل مباشر، سير الحوار، وتطور المفاوضات. ولم يكن هدفنا هو الخروج من هذه الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات”.

هكذا، فإن المغرب يخرج كبيرا، أكثر قوة، أكثر اتحادا وعزيمة من هذا الاختبار الذي يشكل جزءا من التقلبات التي أكدت المملكة خلالها مكانتها كدعامة للاستقرار في المنطقة الأورو-إفريقية.

إن موقف إسبانيا الجديد، الذي يكرس أولوية المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” من أجل تسوية الخلاف حول الصحراء المغربية، يندرج في سياق استمرارية الدينامية التي ولدتها هذه المبادرة خلال السنوات الأخيرة، والتي عززتها قرارات مجلس الأمن الدولي، لاسيما القرار 2602.

فالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، افتتاح قنصليات عدد من البلدان الشقيقة والصديقة بكل من العيون والداخلة، الموقف الأخوي لدول الخليج، البلدان الإفريقية ودول الجامعة العربية، وزخم الدعم غير المسبوق الذي نالته الجهود الجادة وذات المصداقية المبذولة من قبل المغرب لتسوية هذا النزاع المفتعل الذي يحول دون بناء الاتحاد المغاربي، هي كلها عوامل تعزز الخيارات الجيو-سياسية للمملكة وتشهد على تميز ممارستها الدبلوماسية الأصيلة.

نفس زخم الدعم والتفاؤل طبع ردود فعل الخبراء، القانونيين وقادة الرأي في أوروبا، عقب الموقف الإسباني الجديد، حيث أكدوا على حكمة الدبلوماسية المغربية وضرورة قيام المجتمع الدولي باستثمار هذه المكتسبات الوازنة من أجل الطي النهائي لهذا الملف.

هؤلاء المحللون الذين أكدوا على الآفاق الواعدة التي تنفتح على إثر هذا الموقف التاريخي المتخذ من طرف إسبانيا قصد التسوية النهائية لهذا النزاع المصطنع، يعتبرون أن الوقت قد حان بالنسبة لجميع البلدان الأوروبية من أجل التعبير عن موقف موحد لفائدة الحل السلمي الذي يضعه المغرب على الطاولة، سعيا إلى بناء فضاء أورو-إفريقي من الازدهار المشترك تتوق شعوب القارتين إلى تشكله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى