كتاب و آراء

 هل للأرجنتين مصلحة في دولرة اقتصادها؟

بقلم: رشيد ماموني

هل للأرجنتين مصلحة في دولرة اقتصادها؟ لقد أصبح هذا السؤال يهيمن على جميع النقاشات السياسية في الأرجنتين منذ فوز خافيير ميلي في الانتخابات التمهيدية التي جرت في 13 غشت الجاري.

ويعود سبب هذه الضجة الإعلامية إلى أن دولرة الاقتصاد تأتي ضمن أولويات البرنامج الانتخابي لهذا المرشح الليبرالي المتطرف الذي يطمح إلى رئاسة الأرجنتين بعد الانتخابات المقررة في 22 أكتوبر المقبل.

وبالنسبة له، فإن تطبيق الدولرة هو الطريقة البسيطة والمناسبة والسريعة لتخفيف الضغط على العملة المحلية. ومع ذلك، لا أحد يعرف حتى الآن كيف يمكن تنفيذ خطوة بهذا الحجم في بلد حيث ي نظر إلى الدولار باعتباره عملة الملاذ الآمن وحيث لا تزال صدمة الأزمة الاقتصادية لعام 2001 تسيطر على أذهان الناس.

ويزداد النقاش حول هذه القضية مع فقدان البيسو الأرجنتيني قيمته مقابل الدولار واستمرار الحكومة في وضع عقبات أمام الفاعلين الاقتصاديين الذين يرغبون في استيراد المدخلات اللازمة لأنشطتهم.

والنتيجة الطبيعية لندرة الدولار في سوق الصرف الأجنبي هي الارتفاع المتسارع في الأسعار، وتدهور القوة الشرائية للأرجنتينيين، وتأثر المناخ الاجتماعي بالتقلبات.

الحل في نظر ميلي يكمن في حل المشكلة من جذورها: دولرة الاقتصاد بالكامل وإلغاء “قدسية” المدخرات بالدولار، وهو الأمر الذي أصبح منذ عام 2001 بمثابة رد فعل طبيعي لدى كل الأرجنتينيين.

في هذه الحالة، سيتم إعلان أسعار جميع المنتجات بالدولار ولن يضطر المستهلك بعد ذلك إلى عمليات الحساب الرياضية وينتقل ذهاب ا وإياب ا بين البيسو والدولار في ذهنه لمعرفة قيمة كل منتوج، وهي قيمة تتغير باستمرار.

الاقتراح، الذي يبدو أنه كان مفتاح فوزه في الانتخابات التمهيدية، جعل المراقبين يعتبرون أن ميلي هو المرشح الوحيد الذي لديه قراءة صحيحة لتوقعات الناخبين.

وقال إن “دولرة الاقتصاد، لن تجلب المشاكل، بقدر ما ستأتي بالعديد من الحلول”، مضيفا أن “الميزة الأساسية من إلغاء البيسو تتمثل في إنهاء التضخم إلى الأبد”.

ويذهب ميلي إلى حد القول إن الأرجنتين ستحتاج إلى 35 مليار دولار فقط لتحقيق هذا التحول، وإنه قادر على تأمين هذا المبلغ.

ولدعم معجزة اقتراحه، يستحضر ميلي دولرة الاقتصاد الإكوادوري، منذ أكثر من 20 عام ا، والذي يسجل سنة بعد أخرى أفضل معدلات النمو في المنطقة مع استقرار الأسعار وهو ما يفرض الاحترام.

ويعتقد أنصار هذا الإجراء الرئيسي الذي اتخذه المرشح الليبرالي المتطرف، والذي لا يتردد البعض في مقارنته بالرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، أن الدولرة ستكبح التضخم في الأرجنتين، الذي تجاوز معدله 60 بالمائة منذ بداية العام.

ومع ذلك، ارتفعت أصوات عدة ضد اقتراح ميلي، الذي وصفوه بأنه “غير قابل للحياة” و”مؤلم”.

ومن بين هذه الأصوات الموثوقة للغاية، مركز الاقتصاد السياسي في الأرجنتين الذي أصدر مؤخرا تقرير ا مفصلا عن مخاطر الدولرة في الأرجنتين.

ولكن من الناحية العملية، كيف يمكننا دولرة الاقتصاد؟، يوضح المختصون أن العملية ستكون بسيطة مثل استبدال العملة المحلية مقابل الدولار أثناء العمليات التجارية.

بيد أن الأمور ستتعقد عندما يتعلق الأمر بتحديد قيمة هذا التبادل. هل سيكون بالمعدل الحالي أم أنه سيكون من الضروري تحديد سعر، بالضرورة، أعلى من سعر الصرف الحالي نظر ا لأن المعروض النقدي بالبيسو مرتفع جد ا مقارنة باحتياطيات البنك المركزي.

ويحذر مركز الاقتصاد السياسي في الأرجنتين من مخاطر الاستسلام لإغراء الدولرة.

ويعتقد محللو المركز، من بينهم هيرنان ليتشر، أن “الدولرة ستؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة العملة لاستبدال البيسو الحالي بالدولار المتاح في البنك المركزي”، وفي هذه الحالة سينخفض سعر الصرف من 350 بيسو للدولار كما حددته الحكومة إلى 1322 بيسو إذا أخذنا في الاعتبار العرض النقدي المتداول والاحتياطيات المتاحة.

ووفقا لمركز الاقتصاد السياسي في الأرجنتين فإن الدولرة سوف تكون مصحوبة بخسارة في القوة الشرائية بنسبة تتراوح بين 74 بالمائة إلى 94 بالمائة.

ومن الآثار الضارة الأخرى للدولرة، وبالتالي اختفاء البيسو الأرجنتيني، فقدان السيطرة على جميع أدوات السياسة الاقتصادية المتاحة للدولة (السياسات المالية والنقدية)، مما يحرم الدولة من أداة هامة للسيادة الاقتصادية.

على بعد شهرين من الانتخابات الرئاسية، تثير الدولرة التي اقترحها خافيير ميلي من الأسئلة أكثر مما تجيب. لم يقم المعني الأول بالأمر بتفصيل خطته لتنفيذ هكذا القرار، لكن خصومه السياسيين والخبراء النقدين يجمعون على نقطة واحدة على الأقل: في المستقبل القريب، ستسحق الدولرة القوة الشرائية للأرجنتينيين دون أي ضمان بأن الوضع سيكون أفضل على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
P