رئاسيات الأرجنتين..الترقب سيد الموقف في جولة ثانية حاسمة
بقلم: هشام الأكحل
عندما تتوجه بالسؤال للمحللين السياسيين والعارفين بخبايا الشأن المحلي الأرجنتيني حول توقعاتهم بخصوص الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الأحد المقبل، فلا تستغرب إذا تلقيت جوابا غير مألوف من خبراء يتابعون ما يعتمل من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية في البلد الجنوب أمريكي منذ سنوات.
الانتخابات الرئاسية لهذه السنة استعصى حل ألغازها على هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم أما ظاهرتين فريدتين من نوعهما يمثلهما، خافيير ميلي، مرشح ليبرالي متطرف عن حزب “الحرية تتقدم”، وسيرخيو ماسا الذي يعتبر امتدادا للحركة البيرونية المتجذرة في الأرجنتين، مرشح تحالف ” الاتحاد من أجل الوطن”.
ميلي، الخبير الاقتصادي والوافد الجديد، لم يكن له ذكر على الساحة السياسية في الأرجنتين اللهم من منصب كنائب برلماني بالكونغرس حيث كان ينظم قرعة نهاية كل شهر ليظفر أحد المواطنين براتبه الشهري.
لقد شكل ميلي المفاجأة في الانتخابات التمهيدية وفاز بها أمام ماسا نفسه ومرشحة المعارضة “جميعا من أجل التغيير” باتريسيا بولريتش.
في الجولة الأولى تدحرج إلى المرتبة الثانية أمام “ظاهرة” آخر الذي ليس سوى ماسا وزير الاقتصاد ومرشح الأغلبية التي أنهت ولايتها بتضخم يفوق 140 بالمائة واحتياطيات بالبنك المركزي في أدنى مستوياتها، ومع ذلك تمكن من تصدر نتائج الجولة ب (37 بالمائة) ليواصل إلى جانب ميلي السباق نحو قصر الرئاسي “لاكاسا روسادا”.
في تقدير، خوليو بوردمان، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوينوس أيريس، “نحن أمام انتخابات معقدة وغير واضحة المعالم ولكن أعتقد أن السر يكمن في إمكانية ضم الأصوات التي حصلت عليها باتريسيا بولريتش وزيرة الأمن السابقة التي حلت ثالثة ب 23.61 بالمائة إلى صف ميلي (30 بالمائة)، ربما في هذه الحالة قد يكون لديه بعض الحظوظ ومع ذلك ليس في وضع مريح”.
وبالمقابل يعتقد الأستاذ بكلية الدفاع بوينوس أيريس أن ماسا الذي قام بحملة انتخابية جيدة قد يكون بلغ منتهى سقف الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها، وقد يستحضر الناخبون يوم الاقتراع جملة المشاكل التي خلفتها الحكومة التي ينتمي إليها.
وخلص بوردمان إلى القول إنه “لا يعلم على غرار كثير من زملائه ما الذي يمكن أن يحدث في الانتخابات ولم يتبقى سوى الانتظار ولا شيء غير الانتظار”.
ربما ما يعقد الاختيار أمام الأرجنتينيين هو أن المنزلة الوسطى لا وجود لها في نموذجين متباينين تمام التباين، مع ليبرالي متشدد لا يتردد في التلويح بالعلاج بالبتر أو الصدمة الكبرى ليقطع دابر التضخم، ذلك المرض السرطاني الذي ينخر المجتمع الأرجنتيني باللجوء إلى دولرة الاقتصاد وإغلاق البنك المركزي.
لكن مقترحاته مردودة عليه من قبل ماسا الذي يعتبر أن الدولرة لا تصلح للبيئة الأرجنتينية وهناك فقط ثلاث دول في العالم تعتمدها وهي الإكوادور والزيمبابوي والسلفادور، كما أن الدول التي ليس لديها بنك مركزي تعد على رؤوس الأصابع وغير معروفة.
ميلي يتهم ماسا بكونه يسوق ضده سلسلة أكاذيب وافتراءات جعلها فزاعة تخيف الناس من هذا “المجهول” الذي يمثل قفزة نحو الهاوية، غير أن الزعيم الليبرالي يرى أن “القفزة الحقيقية في الفراغ هي الاستمرار في طريق الانحطاط سيرا على الوضع الراهن بنموذج فقر يشمل أزيد من 40 بالمائة من السكان.
كثيرا ما يردد ميلي أن الأرجنتينيين قد يئسوا من وجوه “الطغمة” السياسية الحاكمة منذ نحو عقدين من الزمن، وماسا ليس في نهاية المطاف سوى نسخة محينة من التيار الكرشنيري نسبة إلى الرئيس الراحل نيستور كيرشنير وامتدادا للحركة البيرونية، معتبرا إياه غير قادر على خلق التغيير المطلوب وإلا لما وصلت البلاد إلى هذه الأزمة.
أما ماسا فيشدد على أنه سيكون الرئيس الفعلي والماسك بزمام الأمور ولن يسمح بأي تأثير أو تدخل من أي جهة كانت.
وفي مجالات التعليم والصحة والأمن لكل منهما آراؤه ومقترحاته التي يراها الأجدر للخروج من عنق الزجاجة.
في نظر مرشح الأغلبية المنتهية ولايتها، القادم أفضل إن هو منح ثقة الأرجنتينيين فسيشكل حكومة وحدة وطنية لن يتردد في أن يشرك فيها وجوها من المعارضة نفسها.
أما ميلي الذي وجد نفسه في أقل من عامين يداعب حلم أن يصبح رئيسا للأرجنتين، فيؤكد أنه يحمل وصفة دواء لعلاج نهائي لمشاكل البلاد، وليس مجرد مسكنات ما أن ينتهي مفعولها حتى يشتد الألم من جديد.
بعض المراقبين يرون أنه قد يكون وراء إحجام ماسا وميلي عن الإفصاح عن اسم وزير الاقتصاد المقبل، سر ما، فمن يدري قد يصبح ميلي وزير الاقتصاد في حكومة ماسا إن هو انتخب رئيسا للبلاد، أما وإن فشل فقد يجعله ميلي وزيرا للاقتصاد دون بنك مركزي..كل ذلك قد يبدو ضربا من السريالية لكن الواقعية السحرية استوطنت الأرجنتين عندما أصدر غابييل غارسيا ماركيز أول طبعة لمائة عام من العزلة من بوينوس أيريس.