حصري.. محمد ضريف: “الأحرار” استفاد من وجود رغبة في إبعاد “البيجيدي” ووجوده على رأس الحكومة سيضر بالمشهد السياسي
محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب الديموقراطيين الجدد، نكمل معه في الجزء الثاني من هذه الدردشة، موضوع المشهد السياسي، والصراع بين مكوناته، و آثار هذا الصراع على الواقع السياسي في البلاد.. نتابع:
حاورته: ميديا نايا
الى أي حد يمكن الحديث عن وجود معارضة في البرلمان؟
بشكل عام، من الصعب أن نتحدث عن وجود معارضة داخل المؤسسة التشريعية، وذلك نظرا لوجود خطوط حمراء لا يمكن أن تتجاوزها، هذا أولا، ثم ثانيا، ماذا يمكن أن يعارض؟ إذا كنا نتحدث عن المعارضة، فيجب ان نتحدث عنها خارج البرلمان، في لحظة ما كانت حركات اجتماعية تعارض، والحديث هنا عن الحركة الماركسية والحركة الإسلامية وغيرهما..كانت تعارض، ولكن من خارج البرلمان، بعد ذلك أصبحت هناك معارضة الشارع، لأنه حتى تلك المعارضة المنظمة التي يمكنها ان تؤطر المحتجين تراجعت الى الخلف، وبقي الشارع يتحرك، والدليل هو حركة 20 فبراير2011، و التي حاولت في 2020 و 2022 استرجاع أنفاسها، ولكن الأسباب والظروف تغيرت كما تغيرت السياقات، لذلك فالشارع يحتج بنوع من الحنين الى ما حدث سنة 2011..أما ما يحدث بالبرلمان، سواء سابقا أو حتى الآن، فهو مجرد معارضة شعبوية، واقصد بالمعارضة الشعبوية، المعارضة التي تعارض فقط لأن صاحبها لا يوجد داخل الحكومة، كان هذا قبل 1997، و نتحدث هنا عن الاتحاد الاشتراكي وعن حزب التقدم والاشتراكية، رغم أن تمثيليته آنذاك كانت ضعيفة، وعن منظمة العمل الديموقراطي كذلك.. وما اعطى قيمة لتلك المعارضة، هو أنها كانت تعارض اختيارات عامة، رغم أنها كانت تدرك ان الحكومة ليست هي التي تحدد الاختيارات العامة للدولة…بعد انتخابات 1997، وتكليف المرحوم الحسن الثاني عبدالرحمان اليوسفي بتشكيل الحكومة، وشكلت ما سمي بحكومة التناوب التوافقي، لان ذلك التناوب كان من خارج الدستور، وليس من داخله، بدأنا نسمع لغة أو مصطلح جديد أضيف الى قاموس السياسة، أدخله حزب العدالة والتنمية، وهو “المعارضة الناصحة”، أي إذا أخطأت الحكومة سيقال لها أنها أخطأت، وإذا أحسنت سيقال لها أنها أحسنت، ولاحظنا انه منذ ذلك التاريخ، جميع المعارضات الى الآن، تقول بـ”المعارضة الإيجابية”، أي ستكون مع الحكومة اذا احسنت الاختيار، وإذا اساءت الاخيار ستكون ضدها، ولكن الاشكال، هو أن كل هذه الأحزاب التي توجد في المعارضة سبق أن تحملت جميعها المسؤولية..العدالة والتنمية تحمل المسؤولية طيلة عشر سنوات، الاتحاد الاشتراكي، قاد الحكومة من 1998 الى 2002، وظل يشارك فيها منذ ذلك التاريخ، رغم انهم انتقدوا ما سمي بالخروج عن المنهجية الديموقراطية عندما عين الملك محمد السادس ادريس جطو في 2002، وزيرا أولا، حيث اعتبروا ذلك خروجا عن المنهجية الديموقراطية، ولكنهم ظلوا يشاركون في الحكومات الموالية..
الآن، الحزب الذي يقود الحكومة لم يأت من المعارضة، كان مشاركا، ورئيسه كان مشاركا في الحكومة أكثر من 13 سنة، و بالتالي أغلب الحقائق ذات الطابع الاستراتيجي كان يحملها وزراء التجمع الوطني للأحرار..وربما هذه أول مرة حزب كان في الأغلبية واصبح يقود الأغلبية الجديدة، وهذا يطرح إشكالا، لأنه في الممارسة السياسية السليمة، أن الأغلبية يجب ان تكون المسؤولية بين مكوناتها تضامنية، بمعنى إذا عاقبنا “البيجيدي” فيجب كذلك أن نعاقب “الاحرار”..
ثم نعود ونقول أن ما اضعف المعارضة البرلمانية الآن، هو ان الأحزاب المكونة لها تعيش اكراهات وأزمات تنظيمية..ونعرف الوضعية الآن غير مريحة في الاتحاد الاشتراكي، نفس الشيء بالنسبة للتقدم والاشتراكية، حتى الفصيل اليساري الصغير عاش قبيل الانتخابات انشقاقات بين الاشتراكي الموحد وباقي الحزبين اللذين استمرا في الاشتغال في اطار فيدرالية اليسار ..
كيف تنظرون الى مستقبل الحكومة الحالية في ظل الصعوبات التي تعرفها؟
هناك صعوبات كثيرة، وأنا دائما أقول حسب اعتقادي أن وجود التجمع الوطني للأحرار على راس الحكومة سيضر بالمشهد السياسي بشكل كامل، لان الحزب كان في الحكومة السابقة، ويقود الحكومة الحالية ويوجه انتقادات للحكومة السابقة التي كان يشارك فيها ويتحمل فيها أهم الحقائب ذات الطابع الاستراتيجي…ثانيا، المغاربة كانوا يعرفون أن أخنوش سيصبح رئيسا للحكومة، وعلمهم بهذه الحقيقة، سيكون دافعا قويا للنفور من السياسة باعتبار أن اللعبة مرسومة سلفا وهذا إشكال كبير..وفي جميع الأحوال، ربما استفاد الاحرار من وجود رغبة في إبعاد العدالة والتنمية، ولكن يبدو أن مشكل هذه الحكومة موجود في هويتها، فنحن امام ثلاثة أطراف، لا شيء يجمع بينها، هناك من يقول أن ما يجمع بينها هو قربها من السلطة ومن المخزن، ولكن هذا شيء آخر، لأن خطاب حزب الاستقلال خلال الحملة الانتخابية كان مختلفا تمام الاختلاف عن خطاب التجمع الوطني للأحرار أو خطاب البام، ثم أن اشرس الحملات الانتخابية التي خاضها حزب الاصالة والمعاصرة كانت ضد التجمع الوطني للأحرار.. ويلاحظ انه من ضمن المشاكل الكبرى التي تعاني منها هذه الحكومة، هو انعدام القدرة عن التواصل، لسبب بسيط، وهو أن أغلب وزرائها لا علاقة لهم بالعمل السياسي ..هذه أشياء مفقودة، لانه كما قلت أن جل الوزراء هم تكنوقراط، عمليا هم الذين كانوا يقودون الحكومة من الخلف، أي في الظل، حتى في حكومة بنكيران هم الذين كانوا يصدرون القرارات من الخلف، أما الآن فقد تم الدفع بهم الى الواجهة.
كلمة أخيرة..
أنا أتمنى أن يعمل الفاعلون السياسيون على تجويد عملهم، سواء تعلق الامر بالأحزاب السياسية او المركزيات النقابية، أو جمعيات المجتمع المدني، أو وسائل الاعلام والتواصل، لأن هاته الأطراف هي التي يمكن أن تساهم في إعادة الثقة للمغاربة في العمل السياسي واحداث مصالحة بين الفعل السياسي والمغاربة، وإحداث مصالحة كذلك بين السياسة والثقافة، لأنه للأسف هُمشت الثقافة فتردت السياسة..يتبع.