حزب “فوكس” يبحث عن “سيكيريتي”يحمي بلاده من المهاجرين
عبدالنبي مصلوحي
في موقف جديد وغريب لحزب “فوكس” المتطرف في اسبانيا حيال جيران بلاده في الجنوب، تفتقت عبقرية هذا الحزب عن فكرة “عجيبة” لحمل دول جنوب المتوسط، المغرب والجزائر وموريتانيا لتكون “الدركي” الذي يحمي اسبانيا من تدفق المهاجرين اليها من دول جنوب الصحراء..
الفكرة ضمَّنها في مشروع قانون قدمه مؤخرا لمجلس شيوخ بلاده، لكن لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس رفضته جملة وتفصيلا، مشروع القرار يقترح “منع التأشيرات عن مواطني الجزائر والمغرب وموريتانيا حتى تقبل هذه الدول استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين انتهكوا حدود اسبانيا”، والفكرة على ما يبدو استوحاها من فرنسا التي عملت على تخفيض التأشيرات للمواطنين المغاربة والجزائريين والتونسيين حتى تقبل حكوماتهم باستقبال المهاجرين غير النظاميين، ولم يكتف بهذا فقط، بل ذهب الى حد مطالبة المؤسسات الأوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على الدول المغاربية الثلاث، ولأن المقترح يحمل بين طياته الكثير من بذور الهدم لما تم بناؤه، وخاصة بين المغرب واسبانيا على مستوى التعاون من اجل مستقبل مشترك، رُفض المشروع جملة وتفصيلا، وهو ما يعني أن هناك في الجارة الاسبانية توجد مؤسسات قوية قادرة على حماية مصالح دولتها من مثل هذه الأفكار الهدامة من هكذا جهات، مهمتها تضبيب الآفاق، كلما صفت ألوانها.
حزب فوكس، لا يبحث عن علاقات تعاون بصيغة: رابح ـ رابح مع جيران دولته في الضفة الأخرى، وإنما يبحث عن دول “سيكيريتي” تحمي ترابه من المهاجرين..وهذا يمكن أن يحققه وهو يغط تحت غطاء النوم، أما في الواقع، فهو مستبعد، لأن مياها كثيرة جرت تحت الجسور و العالم تغير..وهذا الحزب المتطرف، عليه هو الآخر أن يتطور ويخرج من دائرة التكلس والجمود التي تحاصره منذ عصور “اسبانيا القديمة”، التي كانت طرفا في الحلف الغربي الذي تقاسم الخريطة الافريقية..العالم تغير، وفلسفة الاستقواء التي كانت تمارسها الدول على بعضها البعض في “التسخير” انتهت ودفنت، بل و تلاشت عظامها، وأصبح كل هذا الواقع قطعة من التاريخ الأسود في سجل العلاقات الدولية.
ولنلخص لهذا الـ”فوكس” العالم الجديد الذي لا يمكن أن يجد فيه دولة تشتغل لدى دولته “سيكيريتي” تحميه من المهاجرين الافارقة، نقول له أن الدنيا تبدلت، و خاصة بعد سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي.
وإذا كان قادة هذا الحزب يقرؤون جيدا تفاصيل التحولات التي تحدثها الهزات الكبرى التي تحدث بين الفينة والأخرى في التاريخ، سيرصدون بعض العناوين الكبرى، أولها حدوث تحولات جيوسياسية، أعيد على إثرها توزيع عناصر القوة بين أطراف النظام الدولي، التحول الثاني مس البعد الاقتصادي، حيث ظهر توجه جديد نحو بناء نماذج تنموية ترتكز على اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج من أجل التعاون والبناء المشترك، وليس من أجل “التسخير” كما يريد “فوكس”..العالم إذن تغير يا سادة “فوكس”،وعليكم أن تتغيروا لتظهر لكم الأمور على حقيقتها خلف الضفة الأخرى..