حتى لا تكون الوعود الحكومية مجرد خطاب انتخابي..
عبدالنبي مصلوحي
من الأولويات التي قالت حكومة عزيز اخنوش، لما كانت مجرد مشروع حكومة إبان الحملة الانتخابية لتشريعيات ثامن شتنبر الأخير، أنها ستشتغل عليها، هي البعد الاجتماعي في السياسات العمومية، وفي برامجها الحكومية على وجه الخصوص، طيلة الخمس سنوات، وانتعشت مع هذه النبرة الجديدة في الخطاب الانتخابي، آمال فئات عريضة من فقراء الشعب المغربي، ومحتاجيه ممن تؤرقهم ظروف ابناء لهم يعيشون على الاقصاء والمرارة، لا لشيء، فقط لأنهم تعلموا وتمكنوا من الحصول على شهادات أو دبلومات عالية، فكانت السبب في غلق أبواب الشغل في وجوههم، أو هكذا يفهمون ومعهم الآباء والعائلات التي صرفت عليهم حتى وصلوا هذا الحد من التعليم، ليتبين في ما بعد، أن الخطاب الانتخابي كان مجرد وعود انتخابية، خاصة بعدما تبين أن برامج التشغيل، ومنها ما سمي بـ”أوراش”، لا تصلح لتكون أسسا لبناء أحلام العيش الكريم للفئات المتحدث عنها.
تؤكد الإحصائيات في بلادنا أن نسبة كبيرة، تقدر بالملايين، من الشباب المتعلم، يعاني في مرحلته الشبابية، التي هي مرحلة القوة والطاقة والمهارة، الإقصاء من المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني، وبناء الذات بالاعتماد على النفس من خلال العمل والانتاج..ملايين منهم، محرومون، يعانون من الفقر والحرمان، ومن التأخر في تكوين أسر، لأنهم عاجزون عن تحمل المسؤولية.
هذا الوضع المزري، يدفع الكثيرين منهم الى القبول أحيانا بالعمل دون الحد الأدنى للأجر لدى مقاولات أو أفراد لا يستحيون من استغلال ظروفهم، وقد عاينت شخصيا الكثيرين منهم يقفون أمام أبواب الادارات والأبناك كحراس للأمن الخاص، وهو أمر يدمي القلب ويجعل الانسان يتحسر على واقع الحال في هذه البلاد التي فشلت فشلا ذريعا في إنتاج سياسات عمومية ناجحة في حل مشاكل الشغل لدى هذه الفئة العريضة من خريجي الجامعات والمعاهد.
إن حكومة عزيز أخنوش، بصفتها صانعة للقرار المتعلق بالسياسة العمومية للمرحلة القادمة، لا يمكن أن تربح معركة التغيير التي تحمل شعارها ما لم تعترف بالقوة الاجتماعية الحقيقية التي يمثلها الشباب، لا سيما المتعلم منه، بصفته قطاعا اجتماعيا رئيسيا في المجتمع، فبدونه يستحيل كسب معركة التحول الذي يبشر به البرنامج الحكومي، فإيلاؤه الاهتمام اللازم داخل السياسات القطاعية سيجعل منه رافعة تنموية حقيقية، وإهماله سيجعل منه في المقابل قنبلة موقوته، يمكن أن تفجر السلم الاجتماعي في أي وقت، لهذا يحاول أو يوهم الخطاب الحكومي أنه يأخذ مسألة توسيع دائرة فرص الشغل على محمل الجد، لإنعاش الآمال وخفض القلق الاجتماعي الذي يغذي مشاعر الاحباط لدى الأسر والعائلات المغربية التي تعبت وتعذبت من أجل تعليم أبنائها كشكل من اشكال الاستثمار، لتجد نفسها في نهاية الأمر أنها كانت كمن يصب الماء في الرمال ، وهذا إحساس خطير، يضر بمستقبل التعليم، لأنه بهذا الشكل، سيتحول في نظر العائلات وأبنائهم الى مجرد مقبرة لأحلامهم ومستقبلهم، إذا لم يعد رافعة لتحسين الأحوال الاجتماعية مثلما كان في السابق، فطبيعي أن يُنظر اليها على أنه “مقبرة”.
لهذه الاسباب، الحكومة الحالية التي جاءت وعلى صهوة جوادها شعارات كبرى تهم التغيير وتجويد القطاعات و القضاء أو التخفيض بشكل كبير من أرقام بطالة الخريجين ، مطالبة بشكل جدي، وبعيدا عن السياسوية بأن تنفذ برنامجها وبالارقام المعلن عنها في الانتخابات وفي برنامجها الذي على إثره نالت ثقة البرلمان، وخاصة بالنسبة للتشغيل، وفي مرحلة ثانية مطالبة بوضع أسس استراتيجية جديدة لإدماج اجتماعي حقيقي لهذه الفئة من الشباب المتعلم، بشكل يتيح احتواءها بشكل صحيح.