تحليل

تحقيق الأمن الغذائي. أول دروس الحرب الروسية الأوكرانية

عبدالنبي مصلوحي

قررت إندونيسيا، أكبر منتج ومصدر لزيوت الطبخ في العالم،  يوم الخميس الأخير منع تصدير الزيوت الى الخارج، لأن الأولوية للشعب الاندونيسي في الداخل، لئلا تلتهب أسعارها و تتسبب في احتقانات اجتماعية هي في غنى عنها.

هكذا فكرت حكومة هذه الدولة، وهكذا تفكر جميع حكومات العالم في شعوبها عندما تشتد الأزمات وتبدأ في تهديد القدرة الشرائية لعموم الفئات المسحوقة.

عند كل أزمة دولية، سيما إذا كانت اقتصادية كالتي نعيشها نحن في بلادنا بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، تصبح الأولوية للداخل، وليس لتجار الازمات الذين يفضلون التصدير للاستفادة من غلاء الأسعار بالأسواق العالمية، وترك الأسواق الداخلية لأوطانهم لجحيم الأسعار لقلة العرض مقابل الطلب، مثلما حدث في بلادنا عندما كادت الأسواق ان تجف من بعض الخضر، كالطماطم والفلفل، بسبب التصدير للاستفادة من غلائها بالأسواق الأوروبية، وكادت تتسبب في ازمة اجتماعية حقيقية بسبب أسعارها التي ارتفعت وقتها بشكل غير مسبوق.

إن كان من درس يمكن أخذه من قرار الحكومة الاندونيسية، فسيكون بلا شك، هو هذا القرار الحكومي الملزم بعدم تصدير الزيوت، لأن الشعب في الداخل أولى بها.

غير أن الأهم في الموضوع، هو لو أن كل دولة تفكر مثل أندونيسيا، و تقرر أن تكون الأولوية لأسواقها الداخلية و تمنع تصدير المواد التي تنتجها بكثرة الى دول تعتمد عليها منذ عقود في تأمين حاجيات شعوبها؟ شعوب كثيرة ستجوع بكل تأكيد، وخاصة الشعوب التي تستورد مُعظم احتياجاتها من الغذاء، كدول الخليج مثلا، التي تشكل وارداتها من الغذاء حسب التقارير الاقتصادية، ما يقرب من 85 في المائة، ومع الزيادات المسجلة في تعداد السكان سيزداد الطلب وتزداد الملايير من الدولارات لتأمين حاجيات الاستهلاك في الداخل، بعض الدول عوض الاشتغال على استراتيجيات تحقيق الامن الغذائي، ذهبت الى الاشتغال على تقوية وتعزيز بنيات استقبال وتخزين أطنان المواد الاستهلاكية في أجهزة تبريد عملاقة، دون أن تفطن الى انه قد تأتي ظروف تكف فيها الدول على التصدير.

لهذا، تعتبر الظروف الراهنة التي يمر منها العالم بسبب تداعيات حرب البحر الأسود، مناسبة قوية، لتفكر الدول التي تعتمد في تغذية شعوبها على الخارج، في تطوير قدراتها الوطنية  على انتاج غذاء شعوبها عبر  بناء خطط واستراتيجيات قوية لضمان الامن الغذائي، وضمان المُحافظة عليه، من خلال  زيادة الجهود الخاصة بزراعة المحاصيل الضامنة للاكتفاء الذاتي .

فسكان العالم في ازدياد مستمر، ولاشك أن هذه الزيادة تعني زيادة الطلب على الغذاء في الدول المصدرة، ما يدعو الدول التي تعتمد على دول أخرى لتزويد أسواقها المحلية بالمواد الغذائية، التفكير بجد في أن أي عجز غذائي في العالم، ستكون شعوبها في مقدمة الدول التي ستجوع، لأنه لا يعقل أن تستمر الدول التي كانت تزودها في التصدير اليها وشعوبها في حاجة الى الغذاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
P