الأرجنتين…انتقال السلطة أو المخاض العسير
رشيد ماموني
على الرغم من وجود تصريحات عديدة بشأن “انتقال سلس ومنظم” بعد فوز الليبرالي المتطرف خافيير ميلي في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين، إلا أن الزمن الفاصل بين انتخابه و موعد تنصيبه المقرر في 10 من دجنبر المقبل، ليس مفروشا بالورود.
ومنذ مساء فوزه كان على ميلي أن يرد بعبارات حادة على خطاب الهزيمة الذي ألقاه منافسه وزير الاقتصاد المنتهية ولايته سيرخيو ماسا، الذي أكد فيه “أنه اعتبارا من الغد (20 نونبر) مسؤولية تأمين اليقين تقع على ميلي”.
إلا أن ميلي أشار، بعد دقائق قليلة، خلال خطاب النصر إلى أن الحكومة المنتهية ولايتها يجب أن تدير الوضع الاقتصادي الحساس بمسؤولية حتى يوم تنصيبه رسميا، وأنه خرج عن نطاق السيطرة، مشددا على أنه يرفض بالمطلق تحميله مسؤولية التداعيات المحتملة لانتخابه على تقدم الاقتصاد.
المؤشر الثاني على العلاقة «غير الودية للغاية» بين الطرفين هو التأخير غير المعتاد في عقد اللقاء الأول بين الرئيس المنتهية ولايته ألبرتو فرنانديز والرئيس المنتخب خافيير ميلي.
وأجرى الرجلان أول اتصال رسمي بينهما بعد أكثر من 36 ساعة من إعلان النتائج، لا سيما بسبب طلب ميلي عقد الاجتماع على “أرض محايدة”، بحسب مصادر حكومية وعقد الاجتماع أخيرا في المقر الرسمي لاقامة الرئيس الأرجنتيني.
وفي الوقت ذاته، أبقت نائبة الرئيس المنتهية ولايتها، كريستينا كيرشنر، ونائبة الرئيس المنتخبة فيكتوريا فيارويل، على اجتماعهما الأول بعيدا عن الكاميرات بعد ثلاثة أيام من الانتخابات ولا توجد صورة تخلد هذا الحدث في مقر مجلس الشيوخ.
صحيح أن عمل الفرق الانتقالية قد بدأ بالفعل بعيدا عن الأضواء، لكن الرئيس المنتخب مازال يتردد في اختيار الشخص الذي سيشغل منصب وزير الاقتصاد الاستراتيجي الذي سيخلف منافسه في الانتخابات سيرخيو ماسا.
وقد ترك هذا التأخير شكوكا في الآونة الأخيرة حول تغيير محتمل في الاتجاه بشأن وعود ميلي الانتخابية في ما يخص القضايا الاقتصادية.
أما الشكوك التي أسالت الكثير من الحبر وأثارت سيلا من الانتقادات من جانب أنصار الرئيس المنتخب، فتتعلق بـ«إغلاق» البنك المركزي ومشروع «دولرة» الاقتصاد.
وكان على مكتب الرئيس المنتخب يوم الجمعة أن يبدد هذه الشكوك من خلال بيان رسمي، أكد فيه: “في مواجهة الشائعات الكاذبة التي تم نشرها، نريد أن نوضح أن إغلاق البنك المركزي لجمهورية الأرجنتين ليس قضية قابلة للتفاوض”.
وتسببت هذه الترددات في انشقاقات في صفوف المؤيدين الرئيسيين للرئيس المنتخب.
وأغلق مستشاره الاقتصادي الرئيسي، كارلوس رودريغيز، الباب في وجه حزب ميلي، قائلا : “سيكون من المفيد جد ا لقضية الحرية أن أتمكن من التعبير عن نفسي بحرية دون ربط أفكاري بحزب سياسي أو بفرد”، في إشارة إلى ميلي.
كما رصدت الصحافة المحلية خلال الـ 48 ساعة الماضية مواقف محرجة في ما يتعلق ببعض التعيينات التي تم الإعلان عنها ثم جرى التراجع عنها دون تفسير.
وتشمل هذه التعيينات المعلنة إميليو أوكامبو كرئيس للبنك المركزي، قبل أن يتم “التخلي” عنه بعد 24 ساعة لصالح ديميان رايدل.
وترجع المصادر ذاتها هذا التردد إلى الملف الذي يسعى إليه الرئيس المنتخب لتطبيق “إغلاق” البنك المركزي.
موقف محرج آخر يتعلق بإدارة الرعاية الاجتماعية، فقد كان خافيير ميلي نفسه هو الذي أعلن النائبة كارولينا بيبارو، التي كانت جزء ا من النواة الصلبة لحزب “الحرية تتقدم” الليبرالي المتطرف، في هذا المنصب الرئيسي.
غير أن فريقه ذكر، الجمعة، اسما آخر لشغل نفس المنصب ويتعلق الأمر بأوزفالدو خيوردانو، وهو مسؤول في الحكومة الإقليمية لإقليم قرطبة، ولا علاقة له بحزب ميلي.
وفي قطاعات أخرى (رأس المال البشري، ومياه الشرب، وما إلى ذلك)، تتواصل لعبة الاعلان عن الأسماء بلا هوادة. بعض الوزراء المستقبليين تظهر أسماؤهم لكن سرعان ما تختفي دون أن يجد المراقبون الوقت الكافي لاستيعاب ما يحدث، مما يسبب مناخا من الإرتباك.
ويشير بعض المراقبين، إلى أن الإدارات الاستراتيجية للاقتصاد والداخلية والأمن والنقل ست عهد إلى أشخاص كانوا يشغلون في السابق مسؤوليات وزارية في عهد ولايتي ماوريسيو ماكري (2015 – 2019) وفرناندو دي لا روا (1999 – 2001)، مذكرين في السياق بتصريحات ميلي التي اعتبر فيها أنه “من المستحيل بناء أرجنتين مختلفة مع نفس الوجوه من المسؤولين”.
كما أثر الارتباك على جدول أعمال الرئيس المنتخب، الذي كان قد أعلن عن زيارته إلى الولايات المتحدة قبل تنصيبه، ثم تراجع عن ذلك.
وخارج السلطة التنفيذية، لا يقل المناخ ارتباكا في الكونغرس. وتتنافس شخصيتان أساسيتان على رئاسة مجلس النواب: كريستيان ريتوندو وفلورينسيو راندازو، اللذين سيرتبط مصيرهما بمفاوضات مريرة بين حزب “الحرية تتقدم” وحزب “المقترح الجمهوري” (يمين الوسط) برئاسة باتريسيا بولريتش، المنافسة السابقة للرئيس المنتخب.
وتمت مقارنة الوضع الذي يمر به حزب خافيير ميلي بعملية “تغيير الجلد” الضرورية والمؤلمة التي ستنتهي يوم 10 دجنبر المقبل ليتحول هذا التشكيل السياسي إلى حزب حكومي.