موريتانيا…”البناء الأسري”مبادرة رجال أعمال لدعم الزيجات غير المكلفة و السبب ارتفاع المهور
تجدد النقاش بموريتانيا، في الآونية الأخيرة، حول ظاهرة ارتفاع قيمة المهور و تكاليف ومستلزمات الأعراس وذلك بعد مبادرة أطلقها رجال الأعمال لدعم الزيجات غير المكلفة.
فقد خلقت مبادرة “البناء الأسري” أو “الميثاق” كما سماها الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، منذ إطلاقها، من قبل رئيس الاتحاد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، نقاشا مجتمعيا واسعا، انقسم أطرافه بين مؤيد ومنتقد، يحاول كل منهما اسناد موقفه بحجج دينية واجتماعية واقتصادية.
وتصدر النقاش حول المبادرة مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية بالقنوات التلفزية والإذاعات والمنابر الإعلامية المختلفة، التي عجت بمواقف متباينة حول فكرة الاتحاد المبنية على “تزويج 100 شاب وشابة” بمهر في حدود المقبول مع التكفل بالنفقات الأخرى وتشغيل العرسان المنتقين بالشركات الخاصة ، في خطوة تسعى إلى “تعزيز الاستقرار الأسري ومواجهة تحديات ارتفاع تكاليف الزواج وخفض المهور وتسهيل الحياة الزوجية”.
ويرى المؤيدون للمبادرة، التي تبنتها مؤسسات مهمة بالبلاد كهيئة العلماء، أنها تفتح أبواب الأمل، وتقف في مواجهة المغالاة في متطلبات الزيجات والتي، غالبا، ما يعجز الشباب عن الوفاء بها.
أما المنتقدون، أو “المستغربون” بمعنى أدق، من مختلف الآفاق (فنية، إعلامية وثقافية…) فيبررون الانتقاد، بوجود قضايا أخرى ذات أولوية يجب الالتفات إليها لتسهيل الزواج ، ومنها محاربة البطالة عموما بخلق فرص شغل.
ويرى الإعلامي الموريتاني، المختار ولد أبوه ، أن إصدار حكم على نجاح هذا المشروع، من عدمه، مبكر جدا، وسابق لأوانه، إذ يتطلب الأمر مزيدا من الوقت لتنضج المبادرة ولمعرفة كيفية التعاطي مع هذا التوجه الجديد .
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الموضوع متشابك جدا، ويستدعي جهودا جبارة من قبل الإعلاميين والعلماء والوعاظ والمثقفين والمفكرين والمنتخبين للتحسيس به، لا سيما مع بروز إرادة قوية، حتى من قبل الدولة نفسها، للبحث عن سبل لتخفيف المهور ومعالجة ارتفاع تكاليف الأعراس التي تساهم لاحقا في التفكك الأسري.
وبالنسبة للصحافي الموريتاني فإن الزواج أضحى خلال العقدين الأخيرين في حد ذاته “إشكالية” بموريتانيا، نتيجة لمظاهر التبذير الذي ترافقه خاصة في ظل الأزمة التي تسببت فيها الأزمة الصحية بسبب “كوفيد”، وماتلاها من تأثيرات أزمات اقتصادية عالمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق بالبلاد.
وتحدث عن عادات بدوية توارثها الموريتانيون في الزواج، حيث ساد الاعتقاد بأن غلاء المهور، كما هو الشأن ببلدان عربية أخرى، يساعد في الوصول بسفينة الزواج إلى بر الأمان مع أن الدين الإسلامي الحنيف ، يؤكد ولد أبوه، يحث على تبسيط وتيسير الزواج.
ويقوم الميثاق المقترح من قبل رجال الأعمال، كذلك، على بنود أهمها إبرام عقود الزواج الشرعي داخل المساجد، والابتعاد عن الاستعراضات الكبيرة في حضور إبرام العقود، والاكتفاء بعدد محدود من المدعوين، والامتناع عن البذخ والإسراف داخل المنازل، والابتعاد عن المباهاة والمبالغات في الهدايا والعطاءات المتبادلة بين الطرفين (الأهل) ، وترك الفرصة لطرفي البيت الجديد (العرسان) حتى يؤسسا حياتهما بهدوء وطمأنينة.
ودعا الاتحاد الفاعلين السياسيين والمثقفين ورجال الدين والفكر والإعلام والتربية، وقادة الرأي، والروابط المهنية، والمنظمات الاجتماعية، والمؤثرين لتبني الميثاق المقترح .
وقد تبنت هيئة العلماء بالفعل ، عبر أمينها العام الشيخ ولد صالح، هذه المبادرة، حيث أكد أن هذا الميثاق يتطابق مع الشريعة الإسلامية.
وفي خطوة، اعتبرها المراقبون جريئة، تبنى المرصد الموريتاني لحقوق المرأة والفتاة، عبر رئيسته، مهلة بنت أحمد، الميثاق المقترح ، مع المطالبة “بإدماج اقتراحات جديدة حرصا على ضمان حقوق المرأة وإنصافها”.
بدورها تبنت رابطة العمد الموريتانيين هذا الميثاق، معتبرة أنه سيساهم في تعزيز قيم الدين الحنيف والتضامن الاجتماعي، مؤكدة التزامها الكامل بتطبيق بنوده ، مع الدعوة لنشره بين المواطنين “وجعله تقليدا محترما في المجتمع وتسهيل تنفيذه”.
وسبقت المبادرة إرهاصات تنحو كلها هذا المنحى ، حيث أعلنت الحكومة الموريتانية عام 2023 عن تشكيل لجنة وزارية أسند لها وضع خطة عمل للتصدي لمظاهر البذخ في المناسبات الاجتماعية، والتي تروم الوقوف ضد سلوكيات دخيلة على منظومة قيم وأخلاق المجتمع الموريتاني، ومنافية لتعاليم ومقتضيات الشرع.
كما أصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم فتوى أكد فيها أن “ما ينتشر من تبذير في المناسبات الاجتماعية، وإسراف في الولائم، وتكلف الهدايا (…) أمور مخالفة للشرع”.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الموقعين على “ميثاق البناء الأسري” عبر المنصة الرقمية التي أطلقها الاتحاد تجاوز حتى مساء أمس الثلاثاء، 30 ألف و 590 شخص.
وبالإضافة إلى هذه المنصة فتح الاتحاد كذلك منصة خاصة لاستقبال عروض الزواج، حيث سيتم عبرها اختيار من سيتكفل بنفقات تزويجهم.