في الولايات المتحدة، تعايش صعب بين الذكاء الاصطناعي والإبداع الأدبي!
كريم اعويفية
ألقى تطور الذكاء الاصطناعي بثقله على عالم الأدب في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تؤرق الكتاب ودور النشر أسئلة ملحة حول المكانة التي يجب أن تشغلها هذه التكنولوجيا الجديدة دون أن تشكل تهديدا لجوهر العمل الأدبي، الذي يستمد فرادته من التجربة الإنسانية.
الذكاء الاصطناعي، تيمة شائعة في الأدب المعاصر
فبرأي العديد من الملاحظين وصناع الرأي، يعد الذكاء الاصطناعي “أمرا واقعا” في عدة مجالات ويتعين التأقلم معه. وفي الساحة الأدبية الأمريكية، أذهل ازدهار هذه التكنولوجيا، بخوارزمياتها المتعددة، المتخصصين في الكلمة والمخيال. يتجلى ذلك في عدد الأعمال التي تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي وتداعياته في الحاضر والمستقبل.
في هذا الصدد، قال رايان دوهرتي، نائب الرئيس ومدير التحرير في “سيلادون بوكس”، وهي دار نشر مقرها بنيويورك: “تلقينا المزيد من مقترحات الكتب التي تتناول الذكاء الاصطناعي”.
وفي تفسيرها لهذا الإقبال الكبير على معالجة الذكاء الاصطناعي باعتباره موضوعا مفضلا لدى العديد من الكتاب، تعتبر هيليل إيتالي، الصحفية المتخصصة في وكالة (أسوشيتد بريس)، أن هؤلاء المؤلفين يتوسلون بهذا الموضوع لتحليل القضايا التي تمس الوجود الإنساني عن كثب، بينما تجاوز آخرون هذه المرحلة، م فضلين استخدام التكنولوجيا الجديدة كأداة تدعم الإنتاج الأدبي.
وكذلك الشأن بالنسبة للصحفي ستيفن مارش، في قصته القصيرة “موت كاتب” والسيناريست سايمون ريتش الذي استخدم برنامج الذكاء الاصطناعي “كود-دافينشي-002» لإنتاج فيلم الإثارة “آم آي أ كود” (هل أنا رمز).
الذكاء الاصطناعي وحقوق المؤلف، الجدل يحتدم
وفيما توقعت دراسة حديثة أنجزها معهد مستقبل الحياة أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على إنتاج أكثر الكتب مبيعا بحلول العام 2050، إلا أن أزيد من 10 آلاف كاتب ومؤلف أمريكي مرموق، بمن فيهم جيمس باترسون ومارغريت أتوود وسكوت تورو وراشيل فيل، عارضوا استخدام مؤلفاتهم للتدريب على نماذج الذكاء الاصطناعي المخصصة للإنتاج الأدبي.
وفي رسالة مفتوحة، طلب هؤلاء الكتاب من قادة صناعة الذكاء الاصطناعي مثل (مايكروسوفت) و(أوبن بال) وصانعي برنامج الدردشة الآلية (تشات جي بي تي)، الحصول على موافقة المؤلفين قبل استخدام أعمالهم.
الصحوة “الأخلاقية” لهؤلاء الكتاب تأتي بعد أن اكتشف بعضهم، مثل جاين فريدمان، منشورات “أدبية” على (أمازون) أنتجتها نماذج الذكاء الاصطناعي وتحمل أسماءهم، وهي علاوة على ذلك مستوحاة من مؤلفتهم القديمة.
وقالت المتحدثة باسم مجموعة رابطة المؤلفين، ماري رازينبرغر، في تصريح لشبكة (سي إن إن)، إن “الذكاء الاصطناعي يستخدم أعمال الكتاب دون إذنهم، ويدمجها في نسيج نماذج هذه التكنولوجيا قبل تقديمها للجمهور والشركات الأخرى لتحل محل المؤلفين”، مشيرة إلى أن الكتاب مستاؤون من هذه الممارسة التي تتنافى مع الأخلاقيات.
وخلال جلسة استماع انعقدت مؤخرا في مبنى الكابيتول، بحضور أعضاء مجلس الشيوخ وقادة صناعة الذكاء الاصطناعي، دعت رازينبرغر إلى اعتماد قانون يحمي حقوق مؤلفي الذكاء الاصطناعي وي لزم الشركات المتخصصة بإثبات الشفافية في ما يتعلق بكيفية برمجة نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
الذكاء الاصطناعي والعمل الأدبي ذو الطبيعة الإنسانية المحضة
هذا السجال يدفع المراقبين والنقاد إلى التساؤل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على محاكاة الفعل الأدبي، الذي يمزج بين الخيال والمشاعر، وتتجلى من خلاله التجربة الإنسانية بكامل بهائها وتعقيداتها.
وقال الكاتب الأمريكي ديفيد سيداريس، خلال لقاء ثقافي انعقد مؤخرا بنيويورك “عندما يتعلق الأمر بالروبوتات، لا شيء مضمون”.
غير أن الكاتبة والناقدة جوديث ثورمان خالفته الرأي، عندما أشارت إلى أن الإنتاج الأدبي الحقيقي يتطلب الوصول إلى العقل البشري. وقالت: “نحن بحاجة إلى اختراق العقل والتقاط هذا الجوهر الذي ي ول د العبارات الجميلة”.
ويشاطر هذا الرأي الشاعر الكاليفورني، روبن كوست لويس، الذي اعتبر أن الذكاء الاصطناعي لن يكون قادرا أبدا على إنتاج روائع مثل تلك التي كتبتها أوكتافيا بتلر أو أسيموف أو صامويل ديلاني.
من جانبه، قال الكاتب جيمس فراي: “لا أعتقد أن بمقدور الذكاء الاصطناعي تجاوز هذه العتبة”، معتبرا أن مصدر القلق الرئيسي في هذه التنافر هو أن المؤلفين يكتفون بالسهولة التي توفرها هذه التكنولوجيا الجديدة بدلا من الاستمرار في العمل من أعماق قلوبهم وأرواحهم لنقل المدى الكامل للتجربة الإنسانية إلى القارئ الفطن.