تحليل

زيارة الى عقل بوتين

رزق المدني

“ساعات الرعب”، ربما كانت العبارة الأكثر تعبيرًا عن تلك اللحظات التي يعيشها العالم على وقع الهجوم الروسي الذي شنته القوات الروسية على أوكرانيا، فجر ا “الخميس” 24 فبراير.

عشية الذكرى الـ70 للنصر على النازية كتب الرئيس الروسي مقالا أماط فيه اللثام عن طفولته والظروف التي عاشها والداه وتفاصيل أخرى من ذكريات عائلته إبان الحرب الوطنية العظمى.

“أبي وجد أمي تنازع الموت بين الجثث..”

عندما كانت والدة فلاديمير بوتين تعيش وحدها بعيدة عن زوجها الذي كان يرقد في المستشفى وبعيدة عن ابنها الذي عاش في دار الأيتام، أصابها المرض وقام الأطباء بتثبيت وفاتها ووضعوها بين الجثث تمهيدا لدفنها.

ولحسن الحظ، عاد بوتين الأب من المستشفى، وحين رأى الأطباء وهم يخرجون الجثث من المبنى الذي عاش فيه مع زوجته، لاحظ أن زوجته تتنفس، فصاح الزوج: “لا تزال على قيد الحياة”!

إلا أن الأطباء أصروا على أنها ستموت قريبا، ومنعوه من استرجاعها.

فهجم عليهم، وأخذ زوجته، وعالجها.

في هذه الأجواء المريرة المشبعة بأجواء الحروب و الفقر ولد الأبن فلاديمير، في صباه عاصر الإتحاد السوفيتي، بمساحته الممتدة في خمسة عشر دولة بقوته العسكرية الجبارة، تأثر كثيراً بالأمبراطور بيكولا الثاني و بالمفكر لينيين و القائد ستاليين.

ومن ثم شخصية جمعت كل الوان التشدد الفكرى و الديني والإقتصادي ومولعة مشبعة بكل الوان و اطياف القوة الذاتية القادمة من تراث تاريخي يضرب في عمق اقوى الأمبرطوريات التي سادت لفترة طويلة من التاريخ. ومن ثّم لا يمكن فصل ما يجري من روسيا تجاه اوكرانيا في محاولتها لغزوها لأسقاط الحكومة الحالية بعيداً عن سياق الصراع المتجذر مع اغرب ومحاولة لحماية النطاق الإستراتيجي و الجغرافي لروسيا

لكن هذا وحده لا يكفي لتفسير دوافع الجنرال بوتين واحاديثه التي كررها في أكثر من مناسبة عن حرب تتعلق بالأمة الروسية التي قد تدفعه بالمجازفة بها حتى و إن واجهته عقوبات في حد ذاتها تمثل تهديداً وجودياً للروس.

هنا يجب قراءة التصورات الذاتية العقيمة لشخصية بوتين..

لا يمكن اعتبار بوتين شخصا متدينا، كما أنه لم يكن يوما شيوعيا ملحدا بالمعنى الحرفي، وهو يرى أن ما خسرته روسيا حقيقة بسقوط الاتحاد السوفيتي هما النفوذ والقوة وليست الشيوعية بعينها، وبالنسبة له فإن المسيحية الأرثوذكسية هي الوجه الآخر للشيوعية اللينينية، حيث يلعب كلٌّ منهما دوراً وظيفياً في خدمة الدولة. وتتمحور هذه الوظيفة في نهاية المطاف حول ترسيخ السيطرة الثقافية، وتغذية هوية وطنية فريدة. ففي النهاية، لا يهم أن تكون روسيا قيصرية أو سوفيتية، متدينة أو ملحدة، المهم أن تكون قوية موحدة، ودائما تحت السيطرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
P