حوارات

حوار/ د. سميرة مصلوحي: “كل مقالة أو قصة أو رواية أو كتاب يُكتب  هو أشبه برحلة  مخاض”

سميرة مصلوحي باحثة أكاديمية في اللسانيات وتحليل الخطاب، وأستاذة متخصصة في تعليم العربية للناطقين بغيرها بجامعة محمد الخامس.

الكاتبة العامة الوطنية لرابطة كاتبات المغرب، عضو المكتب التنفيذي لمركز اجيال21 للثقافة المواطنة، لها مجموعة من الاصدارات والمقالات.

كانت لها مع “ميديا نايا” هذه الدردشة..نتابع:

كيف كانت بدايتك في الكتابة ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية أود أن أشكركم جزيل الشكر على استضافتكم ..

إن بداياتي الأولى في تلمس خطو الكتابة جاءت عقب ممارساتي المنتظمة للفعل القرائي ، حيث كنت منذ حداثة سني مولعة بقراءة قصص الأطفال وتقديم عروض عنها في آخر الحصة  في الفصول  الابتدائية ، وكم كانت فرحتي عارمة عندما تقوم الأستاذة بتتويجي بالوردة الحمراء بين خصيلات شعري  كعنوان لتميزي ، هذه الوردة التي كانت نتيجة  صنع جماعي في حصة الأعمال اليدوية  التي كنا نقوم بها، والتي كنا نتعاون ونتنافس في الإبداع في صنعها من أغلفة الدفاتر التي لم تعد صالحة للاستعمال. حقيقة هذا الشعور بالفوز بهذه التحفة الحمراء كان يشعرني بالفخر ويزيد من إصراري على طلب الاستزادة من رحيق الكتب والتدرب على فن السرد والحكي. ومن هنا بدأت رحلتي في التنقيب بين كتيبات “بّا العامري” ذهابا وإيابا إلى مكتبة الحي لشراء بعضها حينا واستبدال بعضها في أغلب الأوقات حتى يتسنى لي قراءة أكبر عدد منها.

بعد ذلك وأنا في المرحلة الإعدادية والثانوية بدأت أتوجه إلى قراءة الكتب الدينية والفكرية وأحضر للندوات خصوصا بعد التحاقي بمكتب تسيير القطاع  التلاميذي  رفقة  مجموعة من الاخوات والإخوان، الشيء الذي كان يستدعي إلماما ومعرفة بمجموعة من المواضيع المطروحة للنقاش في الساحة الثقافية للتمكن من التداول فيها ومناقشتها؛ ومن ثم بدأت الإرهاصات الأولى في الكتابة حيث كنت أدون وأكتب بعض الخواطر ومقالات الرأي وأعرضها على والد صديقتي فيشيد بأسلوبي في الكتابة  ويحفزني على المتابعة،  لكنني كنت أعيد التفكير مرات ومرات كلما وقفت للاستماع إلى المسؤول آنذاك عن القطاع وهو يتحدث بأسلوبه الأدبي  البليغ الساحر فأشعر بالخجل من كتاباتي الهزيلة  وأسلوبها البسيط وكيف لا ؟؟ وأنا ذات التوجه  العلمي الجاف وهو الأدبي……  مرت الأيام بعد ذلك سراعا فوجدتني في خضم الحياة تتقاذفني أمواجها على غير ما أشتهي لترسو بي بعيدا عن أحلامي…. فسال مداد قلمي ليضمد جراحي ويسكت زئير آهاتي….. وكانت الكتابة  تفجيرا للصوت المكتوم بداخلي…..كانت كتابة خاصة بي …. لي وحدي، لكنها كانت بحجم الوطن الذي يأويني.

وبعد أن أمضيت ستة عشر عاما في التدريس عدت للتعمق في دراسة اللغة والأدب  بحب وشغف كبيرين، فتخصصت في مجال اللغويات وتحليل الخطاب ومن هناك  أخذت كتاباتي منحى آخر، حيث أصبح يغلب عليها الطابع العلمي  التخصصي في مجال تدريس اللغة العربية للناطقين بها وبغيرها، وكذلك تحليل الخطابات وفق مناهج علمية حديثة …لكن على الرغم من ذلك إلا أنني في كثير من الأحيان أجد الشعر يكتبني دون إذن مني، فكلما مررت بموقف أو صادفت قصة أو ظاهرة إلا ووجدت الكلمات تسابقني للتعبير عني وعن الغائب الحاضر في كينونة الوجود ..فانخرطت في جمعية رابطة كاتبات المغرب التي تؤلف بين أقلام النساء في المغرب والعالم العربي لإسماع صوت المرأة المبحوح، ورفع التهميش عن الكتابات النسائية وإخراجها للوجود …فالكتابة قبل أن تكون صناعة ….هي وجع …. هي تمرد و ضماد للروح…. وبلسم للجراح….

هل لديك طقوس معينة في الكتابة ؟

الكتابة عندي مرتبطة  بالهدوء، لذلك فأنا أفضل أن أمارس طقوسها في  الليل،  لأنني أشعر وكأني في جلسة حميمية مع بنات أفكاري أناجيها وتناجيني  فتبوح لي بأسرارها على خمائل أزراري، كما يحلو لي الانزواء في ركن قصي  من  المقهى في الصباح الباكر والاشتغال على نغمات معزوفات “فريد فرجاد” وطيب رائحة معشوقتي السوداء…… لا أستطيع التركيز أو الكتابة في الضوضاء أو في الأماكن غير المرتبة…. أعشق صوت الطبيعة والأماكن المفتوحة والبحر….كلها تساعد على استلهام الأفكار والتحليل الجيد والإبداع.

 ماهي معايير نجاح الكاتب من وجهة نظرك؟

أظن أنه لا يمكن أن نحكم على نجاح أو فشل كاتب ما انطلاقا من كتاباته الأولى ، وذلك لأن النجاح أو الفشل رهين بالمجهود الذي يبذله الكاتب  لتطوير ذاته؛ فالشخص لا يعد كاتباً جيداً لمجرد نشره كتاباً إلكترونياً، أو عدداً من المقالات، بل الأمر يتعلق بسلسلة من الدروس في تلقي  أصول الكتابة وإتقان معاييرها وفنونها؛  الشيء الذي يتطلب الكثير من الجهد الشخصيّ والعمل الشاق للتحول إلى كاتب ناجح، فكل مقالة أو قصة أو رواية أو كتاب يُكتب  هو أشبه برحلة  مخاض يعيش الكاتب دقائق تفاصيل أوجاعها و أفراحها لذلك فهي تترك فيه أثلاما موشومة في الذاكرة  تساهم حتما في صقل مهاراته الإبداعية  ….وكل مهمة كتابة مهما كانت صغيرةً هي فرصة لتعلم شيء جديد ، وكلما تعمق الكاتب في البحث  والقراءة كلما كانت كتابته أقوى وأبلغ وأكثر نضجا  وتأثيرا.   يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
P